الرِّيَاضَةُ فِي زُيورِخَ

Print

   مِنْ حِكمتِهِ تَعَالَى أنّه خلقَ الإنسانَ كائنًا مُتحرّكًا ، وَليسَ ثابتًا كالأشجارِ مَثَلًا. وهَذا يَعني حَاجتَهُ الدَّائِمَةَ إلى الرِّياضةِ وَالحركةِ. يقولُ البلخي في كتابِهِ: «مصالحُ الأبدانِ والأنفسِ»: «إنَّ ممَّا تلزمُ الحاجةُ إليه في حفظِ الصِّحَّةِ استعمالُ حركةِ المشي والرُّكوبِ، بقدرٍ واعتدالٍ. فِإَنَّهَا تقومُ عندَ الحاجةِ إليها مقامَ أشرفِ العلاجاتِ ، وأكثرِها نفعًا. وذلكَ أنَّ اللَّهَ تباركَ وتعالى .... 

. وذلكَ أنَّ اللَّهَ تباركَ وتعالى خلقَ الإنسانَ ، وسائرَ الحيوانِ ، خِلقةً لا يُستغنَى مَعهَا عَن استعمالِ الحركةِ والسُّكونِ فِي معاونِ حياتِهِ ، ومرافقِ معاشِهِ ، والمناوبةِ بينهمَا ، والانتقالِ مِن بعضٍ إلى بعضٍ . فمتَى أفاتَ نفسَه الحظّ من أحدِهمَا ، لم يدُمْ له عَيشٌ . وَمتى أفرطَ في استعمالِ أحدِهمَا دونَ الآخرِ، عادَ ذلكَ بأعظمِ الضَّررِ عليهِ ، وأسرعَ إليهِ اختلافُ العللِ والأسقامِ» أ. هـ . الرِّياضةُ هي آيةٌ عظيمةٌ من آياتِهِ تعالى لمن يتفكّرونَ. إذ يكفي أن نذكرَ أنّ الرّياضةَ تؤدّي إلى الصِّحَّةِ والقوَّةِ والسَّعَادَةِ. وقدِ اكتشفُوا مؤخّرًا «هُرمونَ السَّعادةِ» الَّذِي يُفرزُه الجسمُ الإنسانيُّ أثناءَ ممارسةِ الرّياضةِ مُسَبّبًا شعورًا بالنّشوةِ والرّاحَةِ.     كتاب البلخي : " مصالح الأبدان والأنفس" 

  لولا حاجةُ الإنسانِ إلى الحركةِ لما خلقَه الخالقُ برجلينِ يمشي بهما ؛ فالبارئُ عزّ وجلّ لا يخلقُ شيئًا عبثًا: من ذلكَ مثلا أنّهُ تعالى خلقَ نوعًا من الحشراتِ بلا عينٍ ، لأنّ هذه الحشرةَ تعيشُ في أعماقِ المحيطاتِ في ظلامٍ دائمٍ ، وبالتَّالي فهي لا تحتاجُ إلى نعمةِ البصرِ. وهكذا نرَى حكمتَه تعالى في إبداعِ مخلوقاتِهِ. فالحركةُ لابدّ منها للإنسانِ، لأنّه يعملُ ، ولأنّ الحركةَ تُعينُهُ على هضمِ ما يتناولُهُ من طعامٍ.

  قديمًا قالَ بقراطُ ، المُلقبُ بأبي الطّبِّ اليونانيِّ القديمِ: «الحركةُ ، ثمّ الأكلُ ، ثمّ النَّومُ، ثمّ الجماعُ». وهوَ ترتيبٌ يدلّ على إلمامِ القُدماءِ ليسَ فقطْ بأهَمِّـــيَّةِ الحركةِ والرِّياضةِ، بلْ أيضًا بتوقيتِهَا السَّليمِ: قبلَ الأكلِ. الجديرُ بالذِّكرِ أنّ هَذا القولَ الَّذِي اشتهرَ به بقراطُ قديمًا نقلَهُ عنه كبارُ الأطبَّاءِ العربِ في القرونِ الوسطى، مثلُ ابن سينا والرّازي والزّهاوي. والواقعُ أنّ بقراطَ جمعَ في قولِهِ هَذا مسائلَ طِبِّيَّةً كثيرةً أثارتْ جَدَلًا واسعًا بين الأطبَّاءِ قديمًا. مثالُ ذلكَ: إشكاليَّةُ التَّوقيتِ السَّليمِ للحركةِ ، والأكلِ ، والنَّومِ ، والجماعِ. ولكنْ في جميعِ الأحوالِ يُهِمُّنِي شخصيًّا أنْ أُنَبِّهَ إلى أنَّ بقراطَ ومَن جاءَ بعدَه من أطبَّاءَ قدْ غابَ عنهم ذكرُ العملِ في نهايةِ هذا التّسلسلِ! فالإنسانُ لا يصلُ إلى الحالةِ النَّمودجيَّةِ التي يستطيعُ فيها أن يعملَ ويبدعُ ، إِلَّا بعدَ أنْ يسدَّ حاجاتِ جسمِهِ هَذِهِ من حركةٍ وأكلٍ ونومٍ وجماعٍ. وَهَذا بالذَّاتِ هُوَ معنَى قولِهم إنّ النِّصفَ العلويَّ من الجسمِ لا يمكنُ أن يعملَ، إِلَّا بعدَ أنْ تُسدُّ حاجاتُ النِّصفِ السُّفليِّ. بلْ إنّ قدماءَ العربِ قَدْ قالوا إنّ النِّصفَ الأسفلَ من الإنسانِ حيوانيٌّ، ونصفَه الأعلى ملائكيٌّ.

  في الإسلامِ لاقتِ الرِّياضةُ  كلَّ تشجيعٍ وتقديرٍ منذُ فجرِ الإسلامِ. يشيرُ العقاّدُ إلى اهتمامِ الخليفةِ عمرَ بنِ الخطَّابِ بالرِّياضةِ البَدنيَّةِ ، حيثُ يقولُ في كتابِهِ: «عبقريَّةُ عُمَرَ»: «... فَعُمَرُ الرِّيَاضِيُّ، المشغولُ بالرِّياضةِ البدنيَّةِ ، ظاهرٌ لنا بعملِهِ وقولِهِ ، وبسيرتهِ في الجاهليَّةِ ، وسيرتهِ بعدَ الإسلامِ ، وسيرتِهِ بعدَ الخلافةِ ، إلى أنْ فارقَ الحياةَ. فكان يُصارعُ في المواسمِ، ويُسابقُ على الخيلِ، وكانَ ينوطُ مجدَ العربِ بالرِّياضةِ والفروسيَّةِ، ويكتبُ إلى الأمصارِ أنْ: "علّموا أولادَكم السِّباحةَ والفروسيَّةَ، وَرووهم ما سارَ من المثلِ وحَسُنَ من الشِّعرِ". ولا يفتأ يُذكّرُهم أنّه: "لن تخورَ قوى، مادام صاحِبُها ينزعُ وينزُو"، أيْ يرمي بالقوسِ، ويركبُ ظهورَ الخيلِ بغيرِ ركابٍ». ا. هـ.

  في عصرِ ازدهارِ الحضارةِ الإسلاميَّةِ كانَ المسلمونَ يعونَ تمامًا أَهَـمِّــيَّـةَ ممارسةِ الرِّياضةِ لِحفظِ الصِّحَّةِ. وقَدْ تركَ لنَا العربُ تراثًا رائعًا في هَذا الميدانِ، كانَ مصيرُه مثلَ مصيرِ بقيَّةِ تراثِنا العلميِّ النّسيانَ والإهمالَ. نقتبسُ في هَذا السِّيَاقِ بعضَ عباراتِ كبارِ الأطِبَّاءِ العربِ في العصورِ الوسطى في موضوعِ الرِّياضةِ على سبيلِ التَّذكيرِ: (وَذَكّرْ فإنّ الذِّكرَى تنفعُ المؤمنينَ) (الذّارياتُ: ٥٥).   ا 

  يقولُ ابن سينا فِي: «القانونُ فِي الطّبِّ» عَن قوانينِ حفظِ الصِّحَّةِ: «لـمّا كانَ معظمُ تدبيرِ حفظِ الصّحّةِ هوَ أنْ يرتاضَ، ثمّ تدبيرُ الغذاءِ، ثمّ تدبيرُ النّومِ، وجبَ أن نبدأَ بالكلامِ في الرِّياضةِ». ا. هـثمّ يُعرّفُ الرِّياضةَ، قَائِلًا: «الرِّياضةُ هِيَ حركةٌ إراديَّةٌ تضطرُّ إلى التّنفُّسِ العظيمِ المتواترِ. والموفقُ لاستعمالِها على جهةِ اعتدالِها في وقتِها بهِ غناءٌ عن كلّ علاجٍ تقتضيه الأمراضُ المادّيّةُ والأمراضُ المزاجيَّةُ الَّتِي تتبعُها وتحدثُ عنهَا، وذلكَ إذا كانَ سائرُ تدبيرِه موافقًا صوابًا». ا. هـويشرحُ ابن سينا تأثيرَ الرِّياضَةِ العظيمَ على هَضمِ الطَّعامِ قَائِلًا: «وبيانُ هَذا هو أنّا ... مُضطرُّونَ إلى الغذاءِ. وحفظُ صحّتِنَا هُوَ بالغذاءِ الملائمِ لنَا المعتدلِ في كمِّيَّتِهِ وكيفِيَّتِهِ، وليسَ شيءٌ من الأغذيةِ بالقوّةِ يستحيلُ بِكُلِّيَّتِهِ إلى الغذاءِ بالفعلِ، بل فضلَ عنه في هضمٍ فضلٌ، والطَّبيعةُ تجتهدُ في استفراغِه. ولكنْ لا يكونُ استفراغُ الطَّبيعةِ وحدِهَا استفراغًا مستوفًى، بل قَد يبقَى لا محالةَ من فضلاتِ كلّ هضمٍ لطخةٌ وأثرٌ. فإذا تواترَ ذلكَ وتكرّرَ، اجتمعَ منها شيءٌ له قدرٌ، وحصلَ من اجتماعِه موادُّ فضليّةٌ ضارّةٌ بالبدنِ من وُجوهٍ: أحدُها أنّها إنْ عفنتْ، أحدثتْ أمراضَ العفونةِ، وإنِ اشتدّتْ كيفيَّاتُهَا، أحدثتْ سوءَ المزاجِ، وإن كثرتْ كمّيّاتُهَا، أورثتْ أمراضُ الامتلاءِ المذكورةُ، وإنِ انصبتْ إلى عضوٍ، أورثتِ الأورامَ. وبخاراتُها تُفسدُ مزاجَ جوهرِ الرُّوحِ، فيضطرُّ لا محالةَ إلى استفراغِها». ا. هـ.

   ويشيرُ ابنُ سينا إلى أنّ الرِّياضةَ تُغني الإنسانَ عَنِ الآثارِ السَّلبيَّةِ الكثيرةِ للأدويةِ، حيثُ يقولُ: «... واستفراغُها في أكثرِ الأمرِ إنّما يتمُّ ويجودُ إذا كانَ بأدويةٍ سمّيّةٍ، ولا شكّ أنّها تُنهكُ الغريزةَ. ولو لمْ تكنْ سمّيّةً أيضًا، لكانَ لا يخلو استعمالُها من حملٍ على الطَّبيعةِ، كما قَالَ بقراطُ: إنّ الدواءَ يُنقّي ويَنكي (يضرُّ). ومعَ ذلكَ فإنّها تستفرغُ من الخلطِ الفاضلِ والرّطوباتِ الغريزيَّةِ والرّوحِ الّذي هو جوهرُ الحياةِ شيئًا صالحًا. وهذا كلّه ممّا يضعفُ قوّةَ الأعضاءِ الرَّئيسيَّةِ والخادمةِ. فهذِه وغيرُها مضارُّ الامتلاءِ على حالِهِ أَوِ استفراغهِ». ا. هـوَيشدّدُ ابنُ سينا عَلَى أثرِ الرِّياضةِ فِي تَخَلُّصِ الجسمِ مِنْ فَضلاتِ الطَّعَامِ، قَائِلًا: «ثمّ الرِّياضَةُ أمنعُ سببٍ لاجتماعِ مباديءِ الامتلاءِ، إذا أصبتَ في سائرِ التّدبيرِ معها، معَ إنعاشِها الحرارةَ الغريزيّةَ، وتعويدِهَا البدنَ الخفّةَ. وذلكَ لأنّها تُثيرُ حرارةً لطيفةً، فتُحلّلُ ما اجتمعَ من فضلٍ كلّ يومٍ، وتكونُ الحركةُ معينةً في إزلاقِها (= إسقاطِها) وتوجيهِها إلى مخارجِها، فلا يجتمعُ على مرورةِ الأيّامِ فضلٌ يُعتدُّ بِهِ». ا. هـ.

وَيُجملُ ابنُ سينا بعضَ فوائدِ الرّياضَةِ، قَائِلًا: «وَمَعَ ذلكَ فإنّها كَما قُلنا تُنمّي الحرارةَ الغريزيّةَ، وتُصلّبُ المفاصلَ والأوتارَ، فيقوى على الإفعالِ فيأمنُ الانفعالَ. وتعتدُّ الأعضاءُ لقبولِ الغذاءِ بما ينقصُ منها من الفضلِ، فتتحرّكُ القوّةُ الجاذبةُ، وتحلُّ العقدَ عَنِ الأعضاءِ، فتلينُ الأعضاءُ، وترقّ الرّطوباتُ، وتتّسعُ المسامُّ. وكثيرًا ما يقعُ تاركُ الرّياضةِ فِي الدّقّ (= نوع مِنَ الحُمَّيَاتِ، راجعْ عَنهَا: ابنُ النَّفيسِ، الموجزُ في الطِّبِّ، ص ٦٨٢)، لأنّ الأعضاءَ تضعفُ قواهَا لتركِهَا الحركةَ الجالبةَ إليها الرّوحِ الغريزيّةِ الَّتِي هِيَ آلةُ حياةِ كُلِّ عضوٍ». ا. هـ.

   كتبتُ قبلَ سنواتٍ دراسةً عَنْ: «عبقريّةِ اللّغةِ العربيّةِ: نموذجُ معاني مصادرِ الأفعالِ» ودراسةً أخرى بعنوانِِ: «عبقريّةِ اللّغةِ الألمانيّةِ: نموذجُ معاني سوابقِ الأفعالِ». موضوعُ «عبقريّةِ اللّغةِ العربيّةِ» شغلني سنواتٍ طويلةً، ومازالَ يشغلني حتّى هذِهِ اللّحظةِ. فقد وهبنا اللّهُ لغةً جميلةً تحتوي على ثروةٍ لغويّةٍ هائلةٍ، ومفرداتٍ، ومترادفاتٍ، لا حصرَ لها. وَمَعَ ذلكَ نأبى إلّا تجاهُلَهَا، ولا نرضى إلّا بإهمالِهَا وازدرائها. في عصرِ ازدهارِ الحضارةِ الإسلاميّةِ كانَ العلماءُ العربُ يُجيدونَ اللّغةَ العربيّةَ، قبلَ أنْ يبدؤوا مشوارهم العلميّ. أدهشني إتقانُ الأطبّاءِ العربِ اللّغةَ العربيّةَ، وأذهلني إتقانُ المعتزلةِ اللّغةَ العربيّةَ، وأبهرني إتقانُ علماءِ الحديثِ اللّغةَ العربيّةَ، وفاجأني إتقانُ علماءِ الحسابِ اللّغةَ العربيّةَ. لقدْ تركَ لنا الأجدادُ روائعَ شعريّةً خالدةً لخصّوا فيها شتّى العلومِ الّتي تخصّصوا فيها. عندما زُرتُ مدينةَ حَلَب السّوريّةَ، في تسعينيّاتِ القرنِ العشرينَ، حصلتُ على نسخةٍ من «أرجوزةِ ابنِ سينا في الطّبِّ»، نشرها الباحثُ محمّدُ زهيرٍ البابا سنةَ ١٩٨٤م، فقدّم بذلكَ خدمةً جليلةً للعلمِ والعلماءِ. يستهلُّ ابنُ سينا أُرجوزَتَهُ الرّائعةَ بتعريفِ حدودِ الطّبِّ، قائلًا: «الطِّبُّ حفظُ صحّةٍ برْءُ مرضْ   من سببٍ في بدنٍ منه عرضْ». فانظرْ، أيّها القارئُ الكريمُ، كيفَ جمعَ ابنُ سينا بينَ إتقانِ الطّبِّ وإتقانِ لغةِ الوحي. يُلخّصُ ابنُ سينا موضوعَ الرّياضةِ الّذي أسماه «الحركةَ والسُّكُونَ» في الأبياتِ الجميلةِ التّاليةِ:

أمّا الرّياضاتُ فمنهَا المعتدلْ   وينبغي لمثلِ ذَا أَنْ يُمتَثَلْ

فَإِنَّهُ يُعدِّلُ الأبدانا   ويُخرجُ الأثفالَ والأدرانا

يُهيّءُ الجسمَ للاغتذاء   ويُصلحُ الصّغيرَ للنّماءِ

وَهُوَ إذَا أفرطَ يُسمّى تعبا   يستفرغُ الرّوحَ ويُولي النّصبا

ويُشعلُ الحرارةَ الغريبةْ   ويُفرغُ الجسمَ مِنَ الرّطوبةْ

ويُضعفُ الأعصابَ من فرطِ الألمْ   ويُهرمُ الجسمَ ولمْ يأتِ الهرمْ

ولا يُغرنّكَ إفراطُ الدّعةْ   فليسَ في الإفراطِ منها منفعةْ

قد تملأ الجسمَ بخلطٍ كالقذى   ولا تُهِيّى الجسمَ شيئًا للغدا». ا. هـ.

وَعَنْ «تدبيرِ الحركةِ» يقولُ ابنُ سينا:

لا ترتضِ الرّياضةَ القويّةْ   وَلا تودّعْ بَلْ على السّويةْ

ورُضْ مِنَ الأعضاءِ كي تعينا   ما خِفْتَ أن يجمعَ خِلطًا دونا

بالمشي إنْ شئتَ أَوِ الصّراعِ   حتّى ترى النَّفَسَ في إسراعِ

ولا تَرُضْ مَن كَانَ ذَا نحولِ   كي لا تزيدَ منه في التّحليلِ

وَرُضْ كثيرَ الشّحمِ والسّمينا   ومنطقنْه أنْ يكُن بطينا

وانقُصْ مِنَ التّعبِ في المصيفِ   فأنتَ بالعرقِ في تلطيفِ

وقد ذكرتُ في كتابِ العلمِ   تدبير ما تحتاجه في الجسمِ

من فَرْغِ ما يفضُل أَوْ من حبس   وما تُزيد من معاني النّفس .  

الملفتُ للنَّظَرِ هُنَا هُوَ المستوى الرَّائعُ الَّذِي وَصَلَ إليهِ المسلمونَ في أبحاثِهم الخاصّةِ بفوائدِ الرّياضةِ. فقد قرّروا أنّ «لكلّ عضوٍ رياضةً تخصُّهُ». وهذِه الملاحظةُ المذهلةُ كادتْ تندثرُ مع الأيامِ. فمعَ كلّ ما حقّقتْهُ الرّياضَةُ في عصرِنا هَذا من تقدّمٍ وتطوُّرٍ، لم أعثرْ فيما قرأتُ من دراساتٍ غربيَّةٍ حديثةٍ عن الرّياضَةِ البدنيَّةِ على إشارةٍ إلى إدراكِ هذِه الحقيقةِ. فَفِي دراسةٍ حديثةٍ صدرتْ عن جامعةِ زيورخَ الفيدراليَّةِ للعلومِ التّكنولوجيَّةِ المعروفةِ بالـ ETH بعنوانِ: ”Erfolgreichtrainieren” (= التّدريبُ بكفاءةٍ) هناكَ مَثَلًا إشارةٌ إلى أنّ كلّ عضوٍ من أعضاءِ الجسمِ يساهمُ في إنجازِ التّمريناتِ الرّياضيّةِ. ولكنَّ هذِه الدّراسةَ الحديثةَ لم تذكرْ شيئًا عن قولِ قدماءِ الأطبَّاءِ العربِ بأنّ لكلِّ عضوٍ مِنْ أعضاءِ الجسمِ رياضةً تخصّهُ.

   يقولُ ابنُ سينا: «والرِّياضاتُ الشَّديدةُ والسَّريعة تُستعملُ مخلوطةً بفتراتٍ أو برياضاتٍ فاترةٍ. ويجبُ أن يتفنّـنَ في استعمالِ الرّياضاتِ المختلفةِ، ولا يقامُ على واحدةٍ، ولكلّ عضوٍ رياضةٌ تخصُّهُ. أمّا رياضةُ اليدينِ والرّجلينِ، فلا خفاءَ بها. وأمّا الصَّدرُ وأعضاءُ التَّنفُّسِ، فتارةً يراضُ بالصَّوتِ الثَّقيلِ العظيمِ، وتارةً بالحادّ، ومخلوطًا بينهُمَا. فيكونُ ذلكَ أيضًا رياضةً للفمِ واللّهاةِ واللّسانِ والعينِ أيضًا، ويحسّنُ اللَّونَ وينقّي الصَّدرَ ...». ا. هـ.

المدهشُ حقًّا أنّ مَا ذكرَهُ ابنُ سينا قبلَ قرونٍ طويلةٍ في هَذِهِ السُّطورِ الأخيرةِ بخصوصِ التَّنويعِ عثرتُ على ما يؤكّدُ صِحَّتَهُ في الدِّراسةِ المذكورةِ أعلاه:Erfolgreich trainieren” (= التَّدريبُ بكفاءَةٍ) حيثُ رَكَّزتْ هذهِ الدِّراسةُ عَلَى موضوعِ التَّنويعِ (Variieren) فيمَا يمارسُهُ المرءُ من رياضةٍ، قائلةً (ص ٣٣١):... so oft wie nur möglich variieren” - أَيِ: «... التَّنويعُ بقدرِ الإمكانِ». ا. هـ.

   وَقَدْ قرأتُ في كتابِ البلخِي: «مصالحُ الأبدانِ والأنفسِ» قَوْلًا لم أعثرْ على ما يناظرُه عندَ المحدثينَ من عُلماءِ الغَربِ، حيثُ يقولُ: «فإنْ لم يتهيأْ للإنسانِ أنْ يروّضَ نفسَه بحركةِ المشي أوِ الرُّكوبِ، فينبغي أن يُرَوِّضَهَا بحركةِ الكلامِ والمحادثةِ، لأنَّ حركةَ الكلامِ إذا قويتْ، سخّنتِ الجسدَ، وعملتْ بعضَ عملِ المشي منْ إثارةِ الحرارةِ، فيجفُّ البدنُ بذلكَ (بتلكَ) الحرارةِ. ولذلكَ قيلَ إنَّ الكلامَ الكثيرَ يُهزلُ البدنَ، كما أنَّ المشي الكثيرَ يفعلُ ذلكَ، بتذويبِهِ فضولِ البدنِ، وإخراجِهِ إيَّاهَا مِن مَسَامِهِ. وَمِنْ أجلِ ذلكَ يؤمرُ المريضُ في الأمراضِ الحادّةِ بالإقلالِ مِنَ الكلامِ، لأنّهُ يزيدُ في الحرارةِ والتَّسخينِ، ويؤمرُ بالسّكوتِ، لقمعِهِ الحرارةَ». ا. هـ.

   قرأتُ مؤخّرًا دراسةً لأحدِ العلماءِ الأمريكيّينَ يُثبتُ فيها أنّ الصَّبَاحَ هُوَ أفضلُ وقتٍ لممارسةِ الرِّياضَةِ. فماذَا يا تُرى كانَ رأيُ العلماءِ العربِ في هذِه المسألةِ؟ يقولُ البلخي:  «فأمَّا الوقتُ الَّذِي يجبُ أن يُختارَ للحركةِ الرياضيَّةِ، فأصلحُ الأوقاتِ لهَا الوقتُ الَّذِي قُلنَا إنَّهُ يجبُ اختيارُه للاستحمامِ، وهوَ أوَّلُ النّهَارِ، لِأَنَّ الغرضَ في الحركةِ الرِّياضيَّةِ هو الغرضُ في الاستحمامِ، وهو تحليلُ الفضولِ التي يجمعُها اللَّيلُ ببردِهِ وظلامِهِ في الأبدانِ، وحاجتُهَا إلى أن يُحلّلَ عنهَا بالاستحمامِ والرّكوبِ. والوقتُ الأصلحُ لذلكَ أوّلُ النّهارِ. وإنِ استُـعمِلَ الوجهانِ معًا، نعني الاستحمامَ والحركةَ، كانَ أبلغَ في المنفعةِ الَّتِي يلتمسُ من قِبلهَا. ويكونُ مبنى التَّدبيرِ في ذلكَ على أن يبدأَ الإنسانُ في أوَّلِ النّهَارِ بالحركةِ، فيستعملُ منهَا القدرَ الَّذِي لا يؤدّيه إلى التَّعبِ. ويعقبُ ذلكَ براحةٍ وسكونٍ مديدٍ. ويستحمُّ بعدَ ذلكَ استحمامًا خفيفًا، ينظّفُ البدنَ، ويطيّبُ النّفسَ. ثُمَّ يسكنُ قليلًا بعدَ الخروجِ منَ الحمّامِ. ويطعمُ بعدَ ذلكَ. ثم يعقبُ الطَّعامَ بنومةٍ تُعينُ على استمرائِهِ». ا. هـ.

   المقارنةُ بينَ الدِّراساتِ القديمةِ والحديثةِ في ميدانِ الرِّياضةِ لا تخلُو مِنَ الإثارةِ. فمِمَّا تُشيرُ إليه الدِّرَاسَةُ السّويسريَّةُ المذكورةُ سَابقًا مَثَلًا ما توَصَّلَ إليهِ الباحثونَ حديثًا من مميّزاتِ بعضِ أنواعِ الرِّياضِةِ وعيوبِهَا. فميزةُ رياضةِ المشي على سَبيلِ المثالِ أنّها تحافظُ على المفاصلِ، ويكونُ الجسمُ أثناءَها في وَضعٍ جيّدٍ. أمّا عيبُهَا، فهُوَ تأثيرُهَا الضَّعيفُ على أعضاءِ الجسمِ الخاصَّةِ بالنَّفَسِ الطَّويلِ، كالقلبِ والرّئتينِ. وميزةُ رياضةِ الجري تتمثّلُ في تأثيرِهَا الكبيرِ والسَّريعِ على أعضاءِ الجسمِ الخاصّةِ بالنّفَسِ الطَّويلِ، كما أنّ هيئةَ الجسمِ أو وضعَهُ يكونُ جيّدًا أثناءَ ممارستِها. أمّا عيبُ الجريِ، فهو إرهاقُه للمفاصلِ، وإمكانيّةُ حدوثِ اختلالٍ في توازنِ الجسمِ. وأخيرًا تشيرُ هذِهِ الدِّراسةِ إلى أنّ السِّبَاحَةَ تُحافظُ على مفاصلِ الجسمِ وتتميّزُ بتأثيرِها الكبيرِ على أعضاءِ الجسمِ الخاصّةِ بالنَّفَسِ الطَّويلِ، ولكنْ يُعَابُ عليها تأثيرُهَا الضَّعِيفُ على السَّاقينِ.

المثيرُ للإعجابِ في الدِّراسةِ السّويسريَّةِ المذكورةِ ”Erfolgreich trainieren” أيضًا هُوَ قيامُ الباحثينَ بدراسةِ شتَّى مؤثِّراتِ كلِّ نوعٍ من أنواعِ الرِّياضَةِ على الإنسانِ. فقالُوا مَثَلًا إنّ فائدةَ رياضةِ رَفعِ الأثقالِ موزَّعةٌ كما يلي: ٠٥٪ قُوَّةٌ، ٠١٪ سرعةٌ، ٥٪ نفَسٌ طويلٌ، ٥٪ حركةٌ، ٠١٪ حالةٌ نفسيّةٌ، ٠٢٪ تنسيقٌ. أمّا كرةُ القدمِ، ففائدتُهَا هِيَ: ٠٤٪ تنسيقٌ، ٠١٪ قوّةٌ، ٠١٪ سرعةٌ، ٠١٪ نفسٌ طويلٌ، ٥٪ حركةٌ، ٠٢٪ حالةٌ نفسيّةٌ. وأخيرًا تتمثّلُ فائدةُ رياضةِ الماراثونِ في النِّسبِ التَّاليةِ: ٠١٪ تنسيقٌ، ٥٪ قوّةٌ، ٠١٪ سرعةٌ، ٠٦٪ نفَسٌ طويلٌ، ٥٪ حركةٌ، ٠١٪ حالةٌ نفسيّةٌ.

    وَبالرَّغمِ منْ ذلكَ فالفكرةُ في حدِّ ذاتِها ليستْ جديدةً. بَلِ الجديدُ هُوَ السَّعيُ لقياسٍ دقيقٍ بالنِّسَبِ المئويَّةِ لشتَّى مميَّزاتِ كُلِّ نوعٍ من أنواعِ الرِّياضَةِ. فهناكَ ما يُثبتُ أنّ العربَ قَدْ ميَّزُوا أيضًا بينَ التَّأثيرِ الَّذِي تُحدثُهُ أنواعُ الرِّياضةِ فِي الجسمِ. فَهَا هُوَ البلخي يقولُ: «وأفضلُ الحركاتِ الَّتِي يُستعانُ بِهَا في حفظِ الصِّحَّةِ حركةُ المشي، لِأَنَّ كلًّا من أجزاءِ البدنِ يتحرَّكُ بحركةِ المشي، فيُصيبُهُ حَظٌّ منهَا. ولذلكَ يسخنُ البدنُ عنهَا سريعًا، ويسرعُ بهَا تحللُ الفضولِ بالعرقِ منهَا. فأمَّا حركةُ الرُّكوبِ، فليستْ تقعُ في إفادةِ النَّفعِ مِنْ حركةِ المشي، إِلَّا موقعًا بعيدًا. لأنَّ الرَّاكِبَ إِنَّما يُحَرِّكُهُ مركوبُه، فأمَّا هُوَ، فبدنُهُ ساكنٌ مِنَ الحركةِ الَّتِي تخصُّهُ. ولذلكَ ينالُ الماشي من التَّعبِ مَا لا ينالُ الرَّاكبُ، إِلَّا بعدَ مدّةٍ تطولُ. (...) عَلَى أنَّ الرُّكوبَ، وإن كانتْ منفعتُهُ متخلِّفةً عَنْ منفعةِ المشي، فإنَّهُ يعدّ بالقياسِ إلى السُّكونِ عظيمَ النَّفعِ، جليلَ الفائدةِ في بابِ حفظِ الصِّحَّةِ». ا. هـ.

 

2 - الرِّيَاضَةُ فِي مَدِينَةِ زُيورِخَ :

 

    الرّياضةُ هِيَ مِنَ السِّماتِ وَالمعالمِ الرّئيسيَّةِ لمدينةِ زيورخَ فالحضارةُ الغربيَّةُ الحديثةُ قَدْ أعلتْ كثيرًا مِنْ شأنِ الرّياضةِ ومكانتِهَا، إدراكًا منها أنّ الحضاراتِ لا تنهضُ إلا بالأصحَّاءِ، ولا أصحَّاءَ بلا رياضةٍ . للرّياضَةِ جَانبانِ فِي زيورخَ : جَانبٌ محليٌّ داخليٌّ، وآخرُ دوليٌّ خارجيٌّ.  محليًّا هُناكَ أكثرُ من مائتي ألفِ نسمةٍ من مجموعِ سكّانِ زيورخَ البالغِ عددِهم حوالي ٠٦٣ ألفَ نسمةٍ يمارسونَ الرّياضةَ بانتظامٍ. من أهمِّ المسابقاتِ الرّياضيّةِ المحلّيّةِ في مدينةِ زيورخَ:

١- مسابقةُ البلياردو المدرسيّةُ: أبريلَ/ مايو.

٢- أسرعُ رجلٍ في زيورخَ: آخرَ مايو.

٣- مسابقةُ كرةِ القدمِ المدرسيَّةِ: أوّلَ يوليو.

٤- مسابقةُ ألعابِ القوى: أوّلَ يوليو.

٥- مُسابقةُ الدَّرَّاجاتِ: آخرَ أغسطسَ.

٦- رمايةُ الصّبيانِ: عطلةَ نهايةِ الأسبوعِ الثّاني من سبتمبرَ.

٧- الجريُ عَلى الجليدِ: منتصفَ نوفمبرَ.

٨- مسابقةُ الهوكي الجامعيّةُ: منتصفَ ديسمبرَ.

تشيرُ المسؤولةُ الأولى عَنِ الرّياضةِ في مدينةِ زيورخَ السيدةُ مونيكا ڤيبر  Monika Weber، عضوُ مجلسِ المدينةِ، ووزيرةُ التّعليمِ والرّياضةِ، إلى أنّ أهلَ زيورخَ - مقارنةً ببقيّةِ سُكَّانِ سويسرا - يمارسونَ الرّياضَةَ بمعدّلاتٍ تفوقُ المتوسّطَ الوطنيَّ. وَبِالرَّغمِ مِنْ ذلكَ فإنّ الهوّةَ التي تفصلَ بينَ هؤلاءِ الَّذينَ يمارسونَ الرّياضةَ بانتظامٍ، وبينَ أولئكِ الَّذينَ لا يمارسونَ الرّياضةَ، تزدَادُ اتساعًا.

عَلَى الصّعيدَ الدّوليّ تقدّمُ زيورخُ الكثيرَ للرّياضةِ العالميَّةِ وذلكَ من خلالِ تنظيمِ لقاءاتٍ رياضيّةٍ عالميّةٍ على مدارِ السّنةِ. مِن ذلكَ مَثَلًا:

١- فبرايرَ: مسابقةُ الفروسيّةِ  CSI 

٢- آخرَ مايو: مسابقةُ  European Inline Cup 

٣- بدايةَ أغسطسَ: مسابقةُ الألعابِ الثّلاثِ: السّباحةُ، والدّرَاجاتُ، والجري - وهيَ المسابقةُ المعروفةُ بـ «رجلِ سويسرا الحديديّ».

٤- منتصفَ أغسطسَ: لقاءُ ألعابِ القوى الدّوليُّ «الفئةُ العالميّةُ».

٥- النّصفَ الثَّاني مِنْ أكتوبرَ: مسابقةُ زيورخَ الدَّوليَّةُ للتّنسِ.

٦- نوفمبرَ: مسابقةُ ڤايدٍ للدَّرَّاجاتِ.

٧- منتصفَ نوفمبرَ: مسابقةُ الجائزةِ الكبرى للجمبازِ.

٨- آخرَ نوفمبرَ/ أوّلَ ديسمبرَ: مسابقةُ ستّةِ أيّامٍ جَري.

٩- منتصفَ ديسمبرَ: ماراتونُ رأسِ السّنةِ الميلاديّةِ.

 

*** لقاء زيورخ الدّوليّ لألعاب القوى ملتقى لنجوم العالم :

يقامُ لقاءُ زيورخَ الدّوليُّ لألعابِ القوى منذُ سنةِ ٨٢٩١م. وقد سجّلَ فيه رياضيُّو العالمِ أكثرَ من عشرينَ رقمًا عالميًّا.

تمنحُ مدينةُ زيورخَ منذُ سنةَ ٨٨٩١م الشّخصيّاتِ المتميّزةَ رياضيًّا «جائزةَ مدينةِ زيورخَ الرّياضيّةَ». وتساهمُ سلسلةُ متاجرِ «الميجرو» في دعمِ هذِه الجائزةِ الَّتِي تتكوّنُ من مبلغٍ ماليٍّ إذا كانَ الفائزُ بها من هواةِ الرِّياضيّينَ أوِ المنظّماتِ المشهودِ لها بخدمةِ الرّياضةِ. وفيمَا عَدا ذلكَ يكونُ التَّكريمُ رمزيًّا فقطْ.

يوجدُ في زيورخَ حوالي ٠٠٥ نادٍ رياضيٍّ يتلقّى معظمُها دَعمًا حكوميًّا بطريقةٍ أو بأخرَى.

المسؤولُ عَنِ الرّيَاضَةِ بصفةٍ عامّةٍ في مدينةِ زيورخَ هِيَ مصلحةُ الرّياضَةِ التّابعةُ لوزارةِ التّعليمِ والرّياضةِ فِي مجلسِ المدينةِ. تقومُ هذه المصلحةُ بتشجيعِ المواطنينَ على ممارسةِ الرّياضةِ، وتشرفُ على تشغيلِ المنشآتِ الرّياضيّةِ العامّةِ في المدينةِ. يدخلُ في هَذَا: إستادُ لتسيجروندَ، والمنشآتُ الرّياضيّةُ في الأحياءِ، وملاعبُ النّجيلِ، وملاعبُ التّنسِ، والمنشآتُ المدرسيّةُ للسّباحةِ، وحمّاماتُ السّباحةِ المغطّاةُ، وحمّاماتُ السّباحةِ المكشوفةُ.

 

٣- الرِّيَاضَةُ المَدْرَسِيَّةُ :

 

    تلامذةُ المدارسِ، بدايةً منَ الصَّفِّ الرَّابع الابتدائيِّ، الرَّاغبونَ في ممارسةِ المزيدِ من الرِّياضةِ بجانبِ الحصصِ الإجباريَّةِ، تُقدّمُ لهم مصلحةُ الرِّياضةِ أكثرَ من ٠٤١ دورةً رياضيَّةً مختلفةً في حوالي ٥٣ لعبةً رياضيَّةً. الرّياضة المدرسيّة في زيورخ قاعدة أساسيّة لتخريج أجيال قويّة تتمتّع بصحّة جيّدة .

مصلحةُ الرِّياضَةِ das Sportamt هِيَ الجهةُ المسؤولةُ عن تنفيذِ حصَّةِ السِّباحةِ الإجباريَّةِ المقرّرةِ أسبوعيًّا على تلامذةِ الصَّفِّ الأوَّلِ حَتَّى الصَّفِّ الرَّابعِ الابتدائيِّ، حيثُ تقومُ بتوفيرِ حمّاماتِ السِّباحةِ اللَّازِمَةِ.

تقومُ مصلحةُ الرّياضةِ أيضًا بإعارةِ تلامذةِ المدارسِ أيَّ معداتٍ رياضيَّةٍ يحتاجونَها لممارسةِ رياضتِهم المفضّلةِ. من ذلكَ مثلًا التّجهيزاتُ اللّازمَةُ للتَّزحلقِ على الجليدِ الّتي يتمُّ إعارتُها للتَّلامذةِ منذُ سنةِ ٢٢٩١م.

زيورخ تحرص على تلقين التّلميذات أهمّيّة الرّياضة منذ الصّغر

التَّلامذةُ الّذينَ لا يُسافرونَ خارجَ زيورخَ أثناءَ عطلةِ الخريفِ أو عطلةِ الرَّبيعِ تقدّمُ لهم مصلحةُ الرِّياضةِ ما يُعرَفُ بــ: «دوراتِ العطلاتِ الرّياضيّةِ»، وذلكَ في أكثرَ من خمسينَ لعبةً رياضيّةً.

بجانبِ الدّوراتِ الرّياضيّةِ للرّاغبينَ في ممارسةِ المزيدِ مِنَ الرّياضةِ من تلامذةِ المدارسِ، وأيضًا بجانبِ رياضةِ العطلاتِ المدرسيّةِ في الرّبيعِ والخريفِ، تُقدّمُ مدينةُ زيورخَ لتلامذةِ المدارسِ المعسكراتِ الرّياضيّةَ في العطلاتِ المدرسيّةِ، وهيَ معسكراتٌ محبوبةٌ جدًّا للتّلامذةِ.

تَتَمَيَّزُ برامجُ هذِه المعسكراتِ بالجمعِ بينَ الرّياضةِ واللّهوِ وَاللّعبِ. تُنَظِّمُ مدينةُ زيورخَ منذُ سنةِ ٥٨٩١م معسكرًا رياضيًّا لتلامذةِ مدارسِهَا في قريةِ فييشَ بكانتونِ ڤاليزَ في جنوبِ سويسرا التي تتميّز بطبيعةٍ خَلّابَةٍ وجبالٍ شاهقةٍ. يشاركُ في هذا المعسكرِ حوالي سبعمائةِ تلميذٍ وتلميذةٍ سنويًّا تتراوحُ أعمارُهم بينَ ٢١ سنةً و٥١ سنةً.

تمتلكُ مدينةُ زيورخَ ستّةَ بيوتٍ مخصّصةٍ للعطلاتِ في كانتوناتِ: جراوبويندنَ، وواتَ، وفرايبورجَ، وتايسينَ، يمكنُ استخدامُها لإقامةِ معسكراتٍ رياضيّةٍ، أو موسيقيّةٍ.

 

٤- مِهْرَجَانُ رِمَايَةِ الصِّبْيَانِ

Knabenschiessen

الفائزة بمسابقة رماية الصّبيان سنة ٢٠١١م

 

يُقَامُ مِهْرَجَانُ رِمَايَةِ الصِّبْيَانِ   في مَدِينَةِ زيورخَ مُنذُ أربعمائةِ عامٍ! كَانَ الهدفُ الأصليُّ مِنهُ تدريبَ الصِّبيانِ عَلَى فَنِّ الرِّمَايَةِ. وَكَانَ الفائزُ يحصلُ عَلَى «مِيدَاليةِ زيورخَ الفضّيّةِ». Zürichtaler معَ الوقتِ سُمِحَ للبَناتِ بالمشاركةِ في هَذا المهرجانِ. ومنذُ ذلكَ الوقتِ يتنافسُ الصِّبيانُ والبناتُ معًا بدايةً مِنْ سِنِّ ٣١ حتى ٧١ عامًا، وذلكَ للفوزِ بتاجِ ملكِ أو ملكةِ الرِّمايةِ. ويقامُ هذا المهرجانُ في عطلةِ نهايةِ الأسبوعِ الثَّاني منْ سبتمبرَ كلّ عامٍ.

 

٥- السِّبَاحَةُ فِي زُيورِخَ :

بالرَّغمِ مِنْ أنّ زيورخَ ليستْ مدينةَ البندقيَّةِ الايطاليَّةَ السَّابحةَ فِي الماءِ، إِلَّا أنّها تقعُ على بُحيرةٍ خَلّابةٍ وأكثرَ من نهرٍ هاديءٍ. صحيحٌ أنّ زيورخَ لا تمتلكُ شَواطيءَ خلّابةً، مثلَ شَاطيءِ الكوباكابانا في ريو دي جانيرو، أوْ شَاطيءِ الشّمسِ (كوستا ديل سول) في الأندلسِ، وصحيحٌ أنَّها لا تطلُّ على بحارٍ أو محيطاتٍ كتلكَ الَّتِي ألهمتْ إيليا أبا ماضي، فكتبَ يقولُ في قصيدتِهِ الخالدةِ عَنِ البَحْرِ:

«قَد سألتُ السّحبَ في الآفاقِ هل تذكرُ رملَك

وَسألتُ الشّـــجرَ الـمـورقَ هلْ يعـــرفُ فضلَك

وَسـألتُ الـدّرَ في الأعنـاقِ هَل تذكــرُ أصـــلَك

وكأني خِلتُها قَالتْ جَميــــعًا: لســــــتُ أدري!

يرقــصُ الـموجُ وفي قــاعِك حــــربٌ لنْ تَزولا

تَخلقُ الأسمــاكَ لكــنْ تخلقُ الحـــوتَ الأكـولا

قَد جمعتَ الموتَ في صدرِك والعيشَ الجـميلا

ليتَ شعري أنتَ مهدٌ أم ضريحٌ، لستُ أدري»!

وَبالرَّغمِ من ذلكَ فبحيرةُ زيورخَ لا تقلُّ روعةً وجمالًا عَنْ شَواطيءِ البحارِ والمحيطاتِ.

تعودُ عراقةُ السِّباحةِ في زيورخَ إلى القرونِ الوسطى. في نهايةِ القرنِ التَّاسعَ عشرَ كانَ هناكَ عشرُ منشآتٍ للاستحمامِ والسّباحةِ في بحيرةِ زيورخَ ونهرِ اللِّيماتِ. أمّا اليومَ، فتمتلكُ زيورخُ ٧١ مسبحًا مدرسيًّا، و٧ مسابحَ مغطّاةٍ، و٧ مسابحَ مكشوفةٍ، و٥ مسابحَ نهريَّةٍ، و٦ مسابحَ على البحيرةِ.

بفضلِ اختراعِ المسابحِ المغطّاةِ أصبحَ من الممكنِ معايشةُ الصّيفِ شتاءً! ففي الشّتاءِ يستطيعُ سكّانُ زيورخَ الذّهابَ إلى أحدِ المسابحِ السّبعةِ المغطّاةِ المملوكةِ للمدينةِ والاستمتاعِ بالماءِ الدّافيءِ وممارسةَ رياضةِ السّباحةِ. تقدّمُ هذه المسابحُ خدماتٍ أخرى غيرَ السّباحةِ، مثلَ التّدليكِ، والسّونا، والسّولاريومِ والتّمريناتِ الرّياضيّةِ داخلَ المسبحِ.

في الصّيفِ يستمتعُ سُكَّانُ زيورخَ بالسِّباحَةِ والاستجمامِ في المسابحِ الصّيفيّةِ (٨١ مسبحًا) التي تمتلكُها المدينةُ على البحيرةِ ونهرِ اللِّيمَاتِ، حيثُ تتحوّلُ هَذِهِ المسَابحُ الصّيفيّةُ إلى بلاچاتٍ تشبهُ بلاچاتٍ البحرِ الأبيضِ المتوسّطِ.

أهمُّ مسابقةِ سباحةٍ محلّيّةٍ في زيورخَ هِيَ «سباحةُ اللِّيماتِ» الَّتِي أُقيمتْ سنةَ ٠٠٠٢م للمرّةِ الواحدةِ والأربعينَ. تُعقدُ هذه المسابقةُ في نهايةِ شهرِ أغسطسَ من كلّ عامٍ، ويُشاركُ فيها حوالي ثلاثةِ آلافٍ منْ سكّانِ زيورخَ، يسبحونَ لمسافةِ كيلومترينِ.

ثاني أهمِّ مسابقةِ سباحةٍ على المستوى المحلّيِّ في زيورخَ هَيَ مسابقةُ «عُبورِ البحيرةِ»، وَهي مسابقةٌ تُقامُ منذُ سنةِ ٧٨٩١م، ويبلغُ طولُها ٠٥٤١ مترًا، ويشاركُ فيها سنويًّا حوالي ثلاثةِ آلافِ مواطنٍ.

 

٦- الرِّيَاضَةُ الْجَامِعِيَّةُ :

المسؤولُ عَنِ الرِّياضةِ الجامعيَّةِ في مدينةِ زيورخَ هُوَ «اتِّحادُ الرِّياضةِ الأكاديميُّ في زيورخَ»  Akademischer Sportverband Zürich . أعضاءُ هذا الاتّحادِ هُمْ: طلبةُ جامعتي زيورخَ والعاملونَ فيهما، والأكاديميّونَ السّابقونَ، وموظّفو المستشفى الجامعيِّ، وطلبةُ المدرسةِ العليا التّخصّصيّةِ في زيورخَ، وأزواجُ أو زوجاتُ أو رفقاءُ أو رفيقاتُ الأعضاءِ.

رياضة السّبيننج في جامعة زيورخ الفيدراليّة، وهي التّدريب على الدّرّاجات الثّابتة بسرعة عالية على إيقاع الموسيقى الصّاخبة

شِعَارُ هذا الاتّحادِ الأكاديميِّ هُوَ: «الرّياضةُ للعقلِ والجسمِ والرّوحِ». وَهُوَ شعارٌ جميلٌ قرّرَ المسؤولونَ تسويقَهُ باللّغةِ الإنجليزيّةِ وليسَ بالألمانيّةِ: “For Brain, Body and Soul“

 فالرِّياضةُ يعتبرُها أهلُ زيورخَ نشاطًا هامًّا في حياتِهم، حيثُ يرونَ أنّ الحركةَ والإيقاعَ واللّعبَ ينبغي أن تؤدِّي إلى السَّعادةِ والسُّرورِ. والرّياضةُ عمومًا هِيَ جهدٌ مبذولٌ يجني مَن يمارسُه ثمارَه المتمثّلةَ في صحّةِ الجسمِ والعقلِ والرّوحِ. فبدونِ جسمٍ قويٍّ لا يمكنُ للإنسانِ أن يفكِّرَ أو يُنتجَ أو يعملَ بكفاءةٍ.

يمتلكُ «اتّحادُ الرّياضةِ الأكاديميُّ» في زيورخَ أربعَ منشآتٍ رياضيّةٍ حديثةٍ جِدًّا تحتوي على صالاتٍ وأجهزةٍ رياضيّةٍ مختلفةٍ. هَذه المنشآتُ الرّياضيّةُ موجودةٌ في المبنى الرّئيسيِّ للجامعةِ الفيدراليّةِ للعلومِ التّكنولوجيّةِ، وفي منطقةِ إيرخلَ، ومنطقةِ فلونترنَ، وأخيرًا في منطقةِ هونجربرجَ.

بجانبِ رئيسِ هذا الاتّحادِ والموظّفينَ المساعدينَ وعمّالِ النّظافةِ والبوّابينَ، يُشرفُ على النّشاطِ الرِّياضيِّ الجامعيِّ فريقٌ صغيرٌ ولكنّهُ رهيبٌ في مؤهّلاتِهِ وإمكانيّاتِهِ. فهوَ يتكوّنُ مِنْ ٢١ خبيرًا رياضيًا يمثّلونَ الكوادرَ العليا في الاتّحادِ ويشرِفونَ على التّخطيطِ والتّنفيذِ والمتابعةِ.

أمّا المدرّبونَ والمدرّباتُ، فيبلغُ عددُهم ٠٠٦ مدرّبٍ ومدرّبةٍ! وقد يزولُ العجبُ من هذا العددِ الهائلِ، إذا عرفنَا أنّ هؤلاءِ المدرّبينَ متخصّصونَ في ستّينَ رياضةً مختلفةً! أفليسَ هَذا شيئًا مثيرًا للإعجابِ والاحترامِ والتّقديرِ؟

-        ممارسة التّمرينات الرّياضيّة في صالة الرّياضة الجامعيّة في زيورخ  :

لعلَّ أهمَّ مَا ينبغي الإشارةُ إليهِ هُنَا هُوَ أنّ الرّياضةَ الجامعيَّةَ ليستْ إجباريَّةً. فَعَلَى هَذا المستَوى الأكاديميِّ الرّفيعِ يُفترضُ وجودُ وَعيٍ كَافٍ يجعلُ كُلَّ أكاديميٍّ مسؤولًا عن موقفِهِ من الرّياضةِ والصِّحَّةِ. صحيحٌ أنّ هناكَ فئةً لا تمارسُ الرِّياضَةَ بانتظامٍ، ولكنّ الإحصاءاتِ تقولُ إنّ أكثرَ من ٠٦٪ من طلبةِ جامعتي زيورخَ (حوالي ١٣ ألفَ طالبٍ وأكثرَ من خمسةِ آلافِ أكاديميٍّ يمارسونَ الرّياضةَ في المنشآتِ الجامعيّةِ بانتظامٍ. وقد سجّلتِ الإحصائياتُ ٠٠٧ ألفِ زيارةٍ سنويّةٍ لهذه المنشآتِ، وهوَ رقمٌ هائلٌ إذا ما قُورنَ بالأعدادِ الصّغيرةِ لأعضاءِ هذا الاتّحادِ الأكاديميِّ.

يَتميّزُ برنامجُ الرّياضةِ الجامعيّةِ بالتّنوُّعِ، حيثُ يمكنُ للمرءِ أن يختارَ الرّياضةَ الَّتِي تناسِبُهُ من بيَن ستّينَ نوعًا مختلفًا من أنواعِ الرّياضَةِ.

-        تمرينات السّويديّ في صالة التّدريبات الجامعيّة في جامعة زيورخ الفيدراليّة

شَخصيًا أنا معجبٌ جِدًّا برياضةِ اللِّياقةِ البدنيَّةِ (التَّمريناتِ السّويديّةِ) الّتي تُقَامُ يوميًّا فِي الصَّالاتِ الدَّاخليَّةِ عَلَى إيقاعِ الموسيقى المناسبةِ. وهيَ تمريناتٌ عنيفةٌ يستفيدُ منها الجسمُ استفادةً كبيرةً. أُمارسُ هذه التمريناتِ في زيورخَ منذُ نحوِ عشرينَ عامًا. وَبجانبِ ذلكَ هناكَ رياضةُ الجري في الغابةِ لمسافاتٍ مختلفةٍ. وهي رياضةٌ مفيدةٌ جدًّا لأنّها تجمعُ بينَ الحركةِ من ناحيةٍ، واستنشاقِ الاكسجينِ النّقيِّ والاستمتاعِ بجمالِ الطّبيعةِ من ناحيةٍ أخري. تعوّدتُ أن أجري في غاباتِ زيورخَ مسافةَ عشرةِ كيلومتراتٍ يوميًّا في أيامِ الصَّيفِ والرَّبيعِ.

بصفةٍ عامّةٍ الرّياضةُ الجامعيّةُ في زيورخَ لا مثيلَ لها على مستوى العالمِ: فالمدرّبونَ ذُوو كفاءةٍ عاليةٍ جدًّا، والمنشآتُ الرّياضيّةُ ممتازةٌ، والبرنامجُ اليوميُّ فريدٌ ومتنوّعٌ وشاملٌ. ومن المنطقيِّ أن يكونَ عائدُ كلِّ هذِهِ الجهودِ الجبّارةِ هَائِلًا ضخمًا. فالغالبيّةُ العظمَى مِنَ الأكاديميّينَ فِي زيورخَ تتمّتعُ بصحّةٍ جيّدةٍ، ولياقةٍ بدنيّةٍ عَاليةٍ، ممّا يؤدِّي بدورِه إلى إنتاجِيَّةٍ مرتفعةٍ. ولنقارنْ مَثَلًا بينَ هَذه الصّورةِ الزّاهيةِ في زيورخَ، وبينَ الصُّورةِ القَاتمةِ في إحدى دولِنَا العربيّةِ حيثُ تقولُ الأرقامُ إنّ هناكَ حوالي ٢١ مليونَ مواطنٍ مصابٍ بفيروسِ الكبدِ، وهو فيروسُ يسبّبُ التَّعبَ والإرهاقَ لحامليهِ. وهذا يعني حرمانَ المجتمعِ من الطّاقةِ الكاملةِ لـ ٢١ مليونَ شخصٍ. فكيفَ ينهضُ المجتمعُ، ويتطورُ، وينمو، إذا كانَ المواطنُ العاديُّ مريضًا؟

تقديرًا لدورِ الرِّياضةِ فِي الحفاظِ عَلَى صِحَّةِ الشَّعبِ، يقومُ القطاعُ الخاصُّ في مدينةِ زيورخَ بتقديمِ دعمٍ ماليٍّ كبيرٍ إلى «اتّحادِ الرّياضةِ الأكاديميِّ فِي زيورخَ». يشاركُ في هذا الدّعمِ: بنكُ كريدت سويس، وشركةُ أديداس للملابسِ الرّياضيّةِ، وجريدةُ التاجز آنتسيجر، وشركةُ التَّأمينِ السّويسريّةِ  Swiss Re، إلخ.

 

٧- الرِّيَاضَةُ عَلَى إِيقَاعِ الْمُوسِيقَى :

أثبتتِ الدّراساتُ الحديثةُ أنَّ الإنسانَ يؤدّي التّمريناتِ الرِّياضيَّةَ بصورةٍ أفضلَ على إيقاعِ أنواعٍ معيّنةٍ من الموسيقَى.

نشرتْ مجلّةُ Facts السّويسريَّةُ  (في العدد رقم ٧٤، ١٢ نوفمبر ٢٠٠٢م) نتائجَ دراسةٍ مثيرةٍ عن العلاقةِ بينَ الحركاتِ الرِّياضيَّةِ والنَّغماتِ الموسيقيّةِ. قامَ بهذه الدّراسةِ الحديثةِ باحثونَ ألمانٌ بالتّعاونِ مع طلبةِ قسمِ التّربيةِ الرّياضيّةِ في إحدَى الجامعاتِ الألمانيّةِ.

حرصًا منّا على ربطِ الماضي بالحاضرِ، ومقارنةِ التُّراثِ القديمِ بالعلومِ الحديثةِ، ومقابلةِ إنجازاتِ الشرقيّينَ باكتشافاتِ الغربيّينَ، سَنُتبِعُ كُلَّ اكتشافٍ أوروبيٍّ بما توصّلَ إليهِ العلماءُ المسلمونَ في المسألةِ نفسِهَا.

تقولُ هذه الدِّراسةُ إنّ خبراءَ الموسيقى في ألمانيا يسعونَ إلى استخدامِ نغماتٍ خاصّةٍ لعلاجِ المصابينَ بشللٍ نصفيٍّ.

هذِهِ المسألةُ تدخلُ في بابِ العلاجِ بالموسيقى. فقدْ أشارَ «إخوانُ الصَّفا» إلي لحنٍ من الألحانِ كانَ يستخدمُه العربُ في المارستاناتِ «وقتَ الأسحارِ، يخفّفُ ألمِ الأسقامِ والأمراضِ عَنِ المريضِ، ويكسرُ سَورتَها، ويُشفي من كثيرٍ من الأمراضِ والأعلالِ». ا. هـ.

وعالجتْ حنيفةُ الخطيبِ في كتابِهَا: «الطِّبُّ عندَ العربِ» هَذِهِ المسألةَ، حَيثُ تقولُ: «وَتفنّنَ أطبَّاءُ العَربِ في مُعالجةِ الأمراضِ، حتَّى اهتدوا إلى المعالجةِ بالموسيقَى. فقد كانوا فِي البيمارستانِ النُّوريِّ بدمشقَ يجلبونَ القصّاصَ والمطربينَ إلى قاعاتِ المرضَى. وكانَ المؤذنّونَ ينشدونَ على المآذنِ قبلَ الفجرِ بساعتينِ بأنغامٍ شجيّةٍ تخفيفًا لعناءِ السّهرِ على المرضى المؤرّقينَ. وكذلكَ كانَ الحالُ في البيمارستانِ الكبيرِ المنصوريِّ في القاهرةِ. إذ كانَ المؤرّقونَ من المرضَى الَّذينَ يستعيدونَ صحّتهم يُعزلونَ عَن باقي المرضَى ويمتّعونَ بمشاهدةِ الرَّقصِ، وكانتْ تمثّلُ أمامَهم الرّواياتُ المضحكةُ.

ولمْ يجهلِ العربُ فائدةَ الموسيقَى في الشّفاءِ. ولذلكَ اهتمَّ أطباؤهم وفلاسفتُهم باستخدامِ الموسيقى في مُعالجةِ بعضِ الأمراضِ. فالرَّازي كانَ في ابتداءِ أمرِه موسيقيًّا وضاربًا ممتازًا عَلى العودِ. ثمّ تركَ ذلكَ وأقبلَ على دِراسةِ كتبِ الطِّبِّ والكيمياءِ والفَلسفةِ، فنبغَ فيها جميعًا. ويبدو أنّ ذلكَ لم يمنعْهُ من استخدامِ الموسيقى في أغراضِ العلاجِ. فقد وردتْ إشاراتٌ فِي بعضِ المراجعِ ... إلى أنّه يغلبُ عَلى الظَّنِّ أنّ الرَّازي دَرسَ فائدةَ الموسيقَى في شفاءِ الأمراضِ وتسكينِ الآلامِ، وقد توصّلَ إلي هذه النَّتيجةِ بعدَ تجاربَ كثيرةٍ قامَ بها.

وَقد رُوي أنّه كانَ يتردّدُ عَلى صَديقٍ له يشتغلُ صيدلانيًّا في مستشفًى بمدينةِ الرّي. وكانَ من عادتِهِ حينَما يجتمعُ بصديقِهِ هَذا أن يعاودَه الحنينُ إلى الموسيقَى. فكانَ يعزفُ عنده بعضَ الوقتِ داخلَ المستشفَى بقصدِ التَّسليةِ والطَّربِ. ولشدّ ما كانَ دهشُه حينَما رأى المرضَى - وهُم يعانونَ آلامًا قاسيةً - يتركونَ أسرتهم ويلتفونَ حولَه، يستمعونَ بمرحٍ وسرورٍ إلى أنغامِهِ السَّاحرةِ.

وَقد لاحظَ الرَّازي أنّ بعضَ هؤلاءِ المرضَى مصابونَ بأمراضٍ تُسَبِّبُ آلامًا مبرحةً. وبالرَّغمِ مِنْ ذَلِكَ فقدْ نسوا هَذه الآلامَ، وشملَهم الهدوءُ والسُّكونُ والسُّرورُ، عِندَما سمعوا الألحانَ الشَّجيَّةَ والنَّغماتِ المطربةَ. فأدركَ أثرَ الموسيقى في تخفيفِ الآلامِ وفي شفاءِ بعضِ الأمراضِ. ولكنّه لم يقتنعْ بهذه النَّتيجةِ من المرَّةِ الأولى. وأخذَ يدرسُ بدقَّةٍ تأثيرَ الموسيقى في شفاءِ الأمراضِ، وبعدَ تجاربَ كثيرةٍ أخذَ يعتمدُ عليها بوصفِها أسلوبًا من أساليبِ العلاجِ الطِّبِّيِّ». ا. هـ.

 

-        نساء زيورخ يمارسن الرّقص على إيقاع الموسيقى :

 

أثارتِ الدِّرَاسةُ الألمانيّةُ المذكورةُ مسألةَ فائدةِ الموسيقى فِي الرِّياضةِ، وخلصتْ إلى أنّ نغماتِ الموسيقى تقومُ بإبلاغِ الرِّياضيِّ بتوقيتِ استخدامِ قوّتِهِ وعضلاتِهِ، وأيضًا مقدارِ القوّةِ المطلوبةِ للقيامِ بالحركاتِ المختلفةِ. ولاحظتِ الدِّراسةُ أنّ نغماتِ الموسيقى تصلُ إلى مراكزِ الحركةِ في المخِّ أسرعَ بكثيرٍ من الصُّورِ. بلْ إنّ النَّغماتِ الموسيقيَّةَ تصلُ في أحيانٍ كثيرةٍ مباشرةً إلى الأعضاءِ بدونِ المرورِ على اللَّاوعي. هذه نتائجُ ما قامَ به الغربيُّونَ من دراساتٍ في القرنِ الحادي والعشرينَ. فماذا قالَ العربُ والمسلمونَ في القرنِ العاشرِ؟

درسَ العربُ بإسهابٍ أصنافَ النَّغماتِ المختلفةِ، وتأثيرَها على الإنسانِ. يقولُ الفارابي في: «كتابُ الموسيقى الكبيرُ»: «وأمّا فصولُ النّغمِ الَّتِي بها تُكسبُ انفعالاتُ النَّفسِ، فجلُّها أيضًا ليستْ لها عندَنا أسماءٌ. وإنّما نشتقُّ أسماءَ أصنافِها من أسماءِ أصنافِ الانفعالاتِ. فلذلكَ يجبُ أن نُعدّدَ الانفعالاتِ، ثمّ نجعلُ أسماءَ هذِهِ الفصولِ من فصولِ النَّغمِ مأخوذةً عن أسماءِ تلكَ. فــيُسمّى ما يُكسِبُ الحزنَ إمّا المحزنَ، وإمّا الـحُزني، وإمّا التَّحزينَ، وأحسنُ بعضِ النَّاسِ يُسمّي هذا الصّنفَ من الفصولِ التَّحزيناتِ. وما يُكسبُ الأسفَ أسفيًا، وما يُكسبُ الجزعَ جزعيًا، وما يُكسبُ العزاءَ والسّلوةَ معزيًا أو مسليًا، وما يُكسبُ المحبَّةَ أو البغضةَ محبِّــبـًا أو بغضيًا، وما يُكسبُ الرَّحمةَ وضدّها، والخوفَ وضدّه مخوّفًا أو رحميًا». ا. هـ.

وَقالَ «إخوانُ الصَّفا» عَنِ استخدامِ الموسيقى الصَّاخبةِ لتحريكِ النُّفوسِ من أجلِ القيامِ بأعمالٍ شاقَّةٍ: «... فَمِنْ تلكَ النَّغماتِ والأصواتِ ما يُحرّكُ النُّفوسَ نحوَ الأعمالِ الشَّاقَّةِ، والصَّنائعِ المتعبةِ، ويُنشِّطها ويقوّي عزماتِها على الأفعالِ الصَّعبةِ المتعبةِ للأبدانِ الّتي تُبذلُ فيها مُـهـجُ النُّفوسِ وذخائرُ الأموالِ، وهي الألحانُ المشجّعةُ الَّتِي تُستعمَلُ في الحروبِ، وعندَ القتالِ في الهيجاءِ، ولا سيّما إذا غُنِّيَ معها بأبياتٍ موزونةٍ في وصفِ الحروبِ ومديحِ الشّجعانِ ...». ا. هـ.

وعرفَ «إخوانُ الصَّفَا» أيضًا الألحانَ الَّتِي تهدّأُ النَّفسَ وتسكنُ الغضبَ، حيثُ قالوا: «ومنَ الألحانِ والنَّغماتِ أيضًا ما يُسكنُ سَوْرةَ (= حدّةَ) الغضبِ، ويحلّ الأحقادَ، ويوقعَ الصّلحَ، ويُكسبُ الألفةَ والمحبَّةَ. فمنْ ذلكَ ما يحكى أنَّ في بعضِ مجالسِ الشَّرابِ اجتمعَ رجلانِ متغاضبانِ، وكانَ بينهما ضِغنٌ قديمٌ وحقدٌ كامنٌ. فلما دارَ الشَّرابُ بينهما، ثارَ الحقدُ، والتهبتْ نيرانُ الغضبِ، وهمّ كلُّ واحدٍ منهما بقتلِ صاحبِهِ. فلما أحسّ الموسيقارُ بذلكَ منهما، وكانَ ماهرًا في صناعتِهِ، غيّرَ نغماتِ الأوتارِ، وضربَ اللَّحنَ الْــمُـلَـــيِّــنَ المسكنَ، وأسمعهُما. وداومَ حتَّى سكّنَ سَوْرةَ (= حدّة) الغضبِ عنهما، وقاما فتعانقا وتصالحا». ا. هـ.

بلْ إِنَّ هناكَ حكايةً طريفةً ذكرَها الفَارابي، وأوردَها «إخوان الصَّفا» فِي رسائلِهم، تلخّصُ لنا التَّأثيراتِ المتباينةَ للموسيقى على النَّفسِ الإنسانيَّةِ. يقولُ «إخوانُ الصَّفا»: «وَمِنَ الألحانِ والنّغماتِ ما ينقلُ النّفوسَ من حالٍ إلى حالٍ، ويُغيّرُ أخلاقَها من ضدٍّ إلى ضدٍّ. وَمنْ ذلكَ ما يُحكى أنَّ جماعةً كانتْ - مِن أهلِ هَذه الصّناعةِ - مجتمعةً في دعوةِ رجلٍ رئيسٍ كبيرٍ. فرتّبَ مراتبَهم في مجلسِه بحسبِ حذقِهم في صناعتِهم، إذ دخلَ عليهم إنسانٌ رثُّ الحالِ، عليه ثيابٌ رثّةٌ. فرفعَه صاحبُ المجلسِ عليهم كلّهم. وتبيّنَ إنكارُ ذلكَ في وجوهِهم. فأرادَ أن يُبيّن فضلَه، ويُسكنَ عنهم غضبَهم. فسألَه أن يُسمعَهم شيئًا من صناعتِه. فأخرجَ الرَّجلُ خشباتٍ كانتْ معه، فركّبها، ومدّ عليها أوتارَه، وحرّكها تحريكًا. فأضحكَ كلَّ مَن كانَ في المجلسِ من اللَّذَّةِ والفرحِ والسُّرورِ الَّذِي حلّ داخلَ نفوسِهم. ثمّ قلبَها، وحرّكها تحريكًا آخرَ أبكاهُم كلّهم من رقَّةِ النَّغمةِ وحزنِ القلوبِ. ثمّ قلبها، وحرّكها تحريكًا نوّمَهم كلّهم. وقامَ وخرجَ، فلم يُعرفُ له خبرٌ». ا. هـ.

كُلُّ هذه المعارفِ الدَّقيقةِ كانتْ معروفةً للمسلمينَ عندما ازدهرتْ حَضارتُهم. ولم يكنْ من قبيلِ الصّدفةِ استخدامُهم الموسيقَى في عِلاجِ المرضَى. لخّصَ «إخوانُ الصَّفَا» التَّأثيراتِ العجيبةَ للموسيقى على نفسِ الإنسانِ كَمَا يَلِي: «فَقَدْ تبيّن بما ذكرنا أنَّ لصناعةِ الموسيقى تأثيراتٍ في نفوسِ المستمعينَ مختلفةً كاختلافِ تأثيراتِ صناعاتِ الصُّنّاعِ في الهيولياتِ الموضوعةِ في صناعتِهم. فمن أجلِها يستعملُها كلّ الأممِ من بني آدمَ، وكثيرٌ من الحيواناتِ أيضًا. ومنَ الدَّليلِ على أنّ لها تأثيراتٍ في النُّفوسِ استعمالُ النَّاسِ لها، تارةً عندَ الفرحِ والسُّرورِ في الأعراسِ والولائمِ والدّعواتِ، وتارةً عندَ الحزنِ والغمِّ والمصائبِ وفي المآتمِ [= بعضُ المللِ غيرِ الإسلاميّةِ يستخدمُ بالفعلِ موسيقى حزينةً في المآتمِ]، وتارةً في بيوتِ العباداتِ وفي الأعيادِ، وتارةً في الأسواقِ والمنازلِ، وفي الأسفارِ وفي الحضرِ، وعندَ الرَّاحةِ والتَّعبِ، وفي مجالسِ الملوكِ ومنازلِ السّوقةِ، ويستعملُها الرِّجالُ والنّساءُ والصّبيانُ والمشايخُ والعلماءُ والجهّالُ والصُّنَّاعُ والتُّجّارُ وجميعُ طبقاتِ النَّاسِ». ا. هـ.

وبعدُ، فليسَ هَدفي مِنَ المقارنةِ بينَ قُدماءِ العربِ منْ ناحيةٍ، والغربيّينَ المحدثينَ منْ ناحيةٍ أخرى، سوى إظهارِ الحقِّ. فأجدادُنا العربُ قدِ اجتهدُوا وقدّموا إسهاماتٍ جبّارةً للحَضارةِ الإنسانيَّةِ. كانَ بوسعِهم أنْ يقولُوا بحقٍّ مع الشَّاعِرِ: «هَذِهِ آثارُنا تدلُّ عَلينا، فانظرُوا بعدَنا فِي الآثارِ». والغربيُّونَ المحدثونَ اجتهدوا أيضًا وقدَّموا إسهاماتٍ لا يمكنُ إنكارُها للإنسانيَّةِ. أمّا مَا يستحقُّ الاستنكارَ حقًا، فهو رضاءُ العربِ بأوضاعِ تخلّفِهم الحاليّةِ، واستسلامُهم للأمرِ الواقعِ، وهروبُهم من الحاضرِ الأليمِ إلى الماضي المجيدِ.

 

٨- أَنْوَاعُ الرِّيَاضَةُ الَّتِي يُمَارِسُهَا الزُّيورِخِيُّونَ :

العددُ الهائلُ من أصنافِ الرَّياضةِ المختلفةِ الّتي يمارسُها أهلُ زيورخَ يُثيرُ الدَّهشةَ والعجبَ. وَهُوَ إِنْ دَلَّ على شيءٍ، فإنّما يدلُّ على وَعي المسؤولينَ والسُّكَّانِ جميعًا بأهمِّيَّةِ عُنصرِ التّنويعِ من ناحيةٍ، وبانفتاحِهم على مختلفِ ثقافاتِ العالمِ من ناحيةٍ أخرى. فنظرةٌ سريعةٌ على منشوراتِ مصلحةِ الرّياضةِ في مدينةِ زيورخَ، أو على برنامجِ الرّياضةِ الجامعيةِ، تُرينَا العددَ الهائلَ من أصنافِ الرّياضةِ المستوردةِ من آسيا، على سبيلِ المثالِ. ففي عالمِ الرّياضةِ نلاحظُ الانفتاحَ الكبيرَ لمدينةِ زيورخَ على شتَّى التّيّاراتِ العالميّةِ الجديدةِ والعريقةِ. فمن أفريقيا نجدُ الرّقصَ الأفريقيَّ Afro-Dance، ومن مصرَ وتركيا نجدُ الرَّقصَ الشَّرقيَّ، ومن أمريكا الشَّماليَّةِ نجدُ الإيروبيكس  Aerobics، ومن أمريكا الجنوبيَّةِ نجدُ رقصةَ التَّانجو  Tango، ومن آسيا نجدُ الرَّقصَ الصِّينيَّ الخفيفَ كي جونج  Qi Gong، إلخ.

 

-        الرّقص على إيقاع الموسيقى في جامعة زيورخ :

 

انتشرَ مؤخرًا مصطلحُ الـ Wellness على نطاقٍ واسعٍ في مدينةِ زيورخَ. والمقصودُ بهذا اللَّفظِ ليسَ رياضةً مُعَيَّنَةً، بل يعني فلسفةً أو أسلوبًا مُعيّنًا في الحياةِ يؤدّي بالإنسانِ إلى السّعادةِ والصِّحَّةِ والهناءِ. جزءٌ كبيرٌ من برنامجِ الـ Wellness الّذي تعرضُهُ المنشآتُ الرِّياضيَّةُ الجامعيَّةُ في زيورخَ يُركِّزُ على عنصرِ الاستجمامِ. وفي نطاقِ الاستشاراتِ المجانِيَّةِ الّتي يستمتعُ بها أكاديميُّو زيورخَ يستطيعُ الأكاديميُّ أن يحصلَ على إجاباتٍ على الأسئلةِ المرتبطةِ ببرنامجِ الــ ـ Wellness، مثلِ: ما هي أنسبُ أنواعِ الرّياضةِ المناسبةِ لي؟ كيفُ يمكني تحاشي آلامِ الظَّهرِ؟ ما هو القدرُ اللَّازمُ من الحركةِ الَّذِي يجعلني أشعرُ بالصِّحَّةِ والسَّعَادةِ؟ إلخ.

يحتوي دليلُ برنامجِ الرّياضةِ الّذي تُصدرُه مصلحةُ الرِّياضةِ في مدينةِ زيورخَ بعنوانِ: ”Sport in Zürich” (= الرِّياضةُ  في زيورخَ) على أكثرَ من مئةٍ وعشرينَ نوعًا من الرِّياضةِ الّتي يمكنُ لسُكَّانِ زيورخَ ممارستُها في شتَّى المنشآتِ والأنديةِ الرِّياضيَّةِ في مدينةِ زيورخَ. من ذلكَ مَثَلًا رياضةُ الـ Alpinismus وهي رياضةٌ جامعةٌ لكلِّ ما يمكنُ للمرءِ ممارستُهُ على جبالِ الألبِ من تسلُّقٍ، أو مشي، أو تجوّلٍ. وهناكَ رياضةُ الـ Aqua Fit وهي عبارةٌ عن تمريناتٍ رياضيّةٍ تمارسُ في حمامِ السّباحةِ. ونجدُ أيضًا رياضةَ المعوّقينَ. ومن الرّياضاتِ الآسيويّةِ نجدُ رياضةَ الـ Kanu الهنديّةَ وهي عبارةٌ عن ركوبِ قواربَ على المسطّحاتِ المائيّةِ غيرِ الوعرةِ. أمّا رياضةُ الـ ـ KungFu، فهي تركِّزُ على تمريناتِ الاستجمامِ والتَّنفُّسِ، في حينِ تعني رياضةُ الـ Kajak التّسابقَ بقواربَ مطاطيّةٍ في المسطّحاتِ المائيّةِ الوعرةِ. ويجمعُ مصطلحُ الـ Aviatik شَتّى أصنافِ رياضةِ الطّيرانِ.

 

٩- خُلَاصَةُ الْقَوْلِ فِي الرِّيَاضَةِ :

فِي مناقشةٍ قصيرةٍ مع توماسَ مورجلي Thomas Moergeli خبيرِ الرِّياضَةِ فِي «اتّحادِ الرّياضةِ الأكاديميِّ فِي زُيورخَ » “ZVSA“  سألتُهُ: «لماذا الرّياضَةُ؟». فردّ: «للصِّحَّةِ، والسَّعادةِ، والثِّقَةِ بالنَّفسِ، وَقوّةِ الشَّخصيَّةِ».

شخصيًا أريدُ أن أختمَ الكلامَ عَنِ الرِّياضَةِ بملاحظتينِ. الأولى تخصُّ علاقةَ الرِّياضةِ بالصِّحَّةِ. فالرِّياضةُ تعينُ أعضاءَ الجسمِ على التِّخلُّصِ من فضلاتِ الأكلِ أو أيِّ سمومٍ أو شحومٍ أو زياداتٍ عالقةٍ بالجسمِ. الرِّياضةُ تحرّكُ الدّمَ، وتُنشِّطُ الدَّورةَ الدَّمويَّةَ، وتساعدُ الإنسانَ في التَّغلُّبِ على الضَّغطِ النَّفسيِّ المصاحبِ للحياةِ العصريَّةِ. الرِّياضةُ تقوّي جهازَ المناعةِ. وَمِنْ ثمارِ الرِّياضةِ: الاستمتاعُ بنومٍ أفضلَ، وتذوُّقٍ أفضلَ، وهضمٍ أفضلَ، وجِمَاعٍ أفضلَ، وتفكيرٍ أسرعَ وأفضلَ، وزيادةُ الثِّقةِ بالنَّفسِ لأنّ الرِّياضةَ تقوّي الأعضاءَ، والإنسانُ القويُّ يشعرُ لا محالةَ بثقةٍ أكبرَ بالنَّفسِ.

الملاحظةُ الثانيةُ تخصُّ ضرورةَ تنويعِ أنواعِ الرِّياضةِ الّتي يمارسُهَا المرءُ. فنظرًا لوجودِ مئاتِ العضلاتِ في الجسمِ الإنسانيِّ، صارَ مِنَ المستحيلِ تدريبُ كلِّ هذه العضلاتِ جميعًا من خلالِ رياضةٍ واحدةٍ. من ناحيةٍ أخرى نلاحظُ أنّ الجسمَ بحاجةٍ إلى اكتسابِ فوائدَ مختلفةٍ من خلالِ الرِّيَاضَةِ: كالقوّةِ، والصَّلابةِ، والحركةِ، والتَّنسيقِ، والسَّعادةِ، وطولِ النَّفَسِ، ولا توجدُ رياضةٌ واحدةٌ توفّرُ كلَّ هذه العناصرِ. ممارسةُ رياضةٍ واحدةٍ يؤدّي إلى تقويةِ بعضِ العضلاتِ وإهمالِ عضلاتٍ أخرى هامّةٍ تصابُ بالضَّعفِ والضُّمورِ معَ الوقتِ، فيُصبحُ الإنسانُ مثله كمثلِ سيارةٍ تسيرُ بعجلةٍ قويَّةٍ وثلاثِ عجلاتٍ ضعيفةٍ!